شهادة عن الموصل للتأريخ

المقاله تحت باب  قضايا
في 
31/08/2014 06:00 AM
GMT



كثيرون خارج أسوار الموصل، توهموا أن المدينة سقطت بيد داعش في حزيران المنصرم، وهو تحديداً ما تحاول وسائل إعلام متداعشة في بغداد وغيرها من الأماكن، ترسيخه والترويج له، لتعميم فكرة مفادها أن اهل المدينة داعشيون، والحقيقة غير ذلك تماماً.

فما يعرف بدولة العراق الإسلامية، كانت تحكم الموصل منذ سنوات، على الرغم من وجود عشرات الآلاف من عناصر الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية والاستخبارات والمخبرين السريين ومستشاري المالكي طوال وقصار القامة، بسكسوكات ومن غير سكسوكات، وكانت تفرض على الشاحنات وعلى التجار والمقاولين والاساتذة الجامعيين والصيادلة والاطباء اتاوات، وتقوم بجبايتها بنحو شهري أو كلما فرغت جيوب وزارة ماليتها.

وكانت تأخذ أتاوات من قيادات أمنية في عدد من المناطق، ولاسيما الغربية من الموصل، كثمن لعدم التعرض لوحداتها، وكان القادة يستعيدون ما يدفعوه من التجار وسواهم، بالاعتقال وأطلاق السراح مدفوع الثمن، او التهديد بالاعتقال وفقاً للمادة 4 ارهاب، كما انهم كانوا يتقاضون نصف رواتب المنتسبين لديهم مقابل عدم التحاقهم بالخدمة، فضلاً عن تكتمهم على نسب الغياب، حتى وصلت الى 80% قبل يوم الدشاديش، وكانوا يحجبون هذا عن القائد الضرورة لكي لايفقدوا مواقعهم التي كان يصل سعر البعض منها الى نصف مليون دولار، دولار يبطح ويداعش دولار.

كما ان الدولة الإسلامية، تفجر المنازل، وتصفي من تشاء وفي الوقت الذي تشاء، وكان يحدث هذا عادة بين صلاتي الفجر والمغرب، وعلى مقربة من نقاط التفتيش التي تكتظ بها الشوارع والازقة، فقتلوا تجاراً وقضاءً ومحامين وصحفيين وعناصر أمنية، ومواطنين لا يملكون غير شهادات ميلادهم، وكثيرون منهم قتلوا، ويصل الى ذويهم خبر داعشي حتى قبل انتهاء مجلس العزاء، بأن المغفور له قتل عن طريق الخطاً.

كانت تسير المقاولات في الموصل، وتحصل على حصة لاتقل عن 20% من كل مقاولة في اي دائرة من الدوائر الحكومية، حتى أنها في آخر أيام أبو دشداشة، قررت عدم تنفيذ أي مشروع في نينوى، باستثناء المؤسسات الصحية والمدارس، وذلك خوفا منها على المصلحة العامة التي ستركبها لاحقاً.

وأضافة الى كل ذلك، كانت تفجر العبوات والسيارات المفخخات والدواعش باحزمة ناسفات، في أي مكان يستريح فيه جمل مزاجهم، ولو جمعنا حجم الضرر الكلي لتفجيراتهم، فلربما صارت لدينا هيروشيما موصلية غفل عنها العالم برمته، لأنه عالم غير منصف.

سيرفع البعض شعر صدره قليلاً وينتفض ليقول" وماذا عن الميليشيات"، فأربت على أرنبة انفه بسبابتي ليهدأ، وأقول له : "هذا ما كانت تعلنه الدولة في بياناتها وأخبارها، أما الحديث عن الميليشيات يطول ".

ولمن يسأل لماذا أهل الموصل لم يكونوا متعاونين مع الأجهزة الأمنية أقول " عمدت القوات الأمنية الى إتباع سياسة سحب الاسلحة الشخصية والمنزلية منذ العاشر من ايار سنة 2008ومن وجدوا لديه سلاحاً صار وعلى الفور ارهابياً، وعرض عبر التلفزيون ليعترف بما يحفظ مما لقنوه، ويزج في السجن بحكم لا يحضره محام، أو يتولى الدفاع عنه منتدب لايعرف رأسه من رجليه. هذه الأجهزة برمتها كانت مخترقة، وهو سبب استهداف عناصرها وضباطها على الدوام، سواءً وهم في الخدمة ام خلال أجازاتهم الدورية، وكان الإخبار عن وجود تهديد امني، يعني تعرض حياة المخبر لخطر شديد، وحوادث كثيرة وقعت، وراح ضحيتها مواطنون تعرضوا لأنتقام داعشي، في وقت كان المخبر السري، يحصد حريات الاشخاص، وتسبب بقتل الكثيرين منهم تحت التعذيب في المعتقلات".

ولا بد من الإقرار بان داعش كان لها حواضن، وهي في الغالب خارج حدود الموصل، وفي أماكن قليلة داخلها، وأرباب تلك الحاضنات، ومن أطلق سراحهم من بادوش وسواها، والمنتظرين لأي فرصة ليضحكوا على الناس ويوهموهم بانهم ثوار، هؤلاء هم من شاهدتموهم وهم يرقصون ويهتفون لداعش في المنصة، والمصارف، وحي سومر.

الدواعش، أشباح حقيقيون، يظهرون ويختفون، وكل جرائمهم بلا استثناء، قيدت ضد مجهول، وكما قلت في مناسبات سابقة، فان (المجهول) أكبر قاتل عرفته نينوى منذ ان كان أشور بانيبال عريفاً في مدرسة تدريب مشاة تل قينجوق !!.

ومطلع العام الجاري، بدأت ما عرف بدولة العراق والشام الاسلامية( داعش ) بمسك الأرض فعلياً، وأهالي منقطة 17 تموز، ومشيرفة والنجار، وغيرها، يعرفون هذا الكلام أكثر من غيرهم. والمتشحون بالسواد كانوا يتنقلون جهاراً نهاراً بمواكبهم، يدخلون ويخرجون كما يحلو لهم، ويفعلون ما يريدونه طوال ستة أشهر كاملة، على الرغم من وجود ما يعرف بقيادة العمليات، وما قام به القائد العام للقوات المسلحة لتدارك الأمر، هو تكريم أبو دشداشة مهدي الغراوي قائد الفرقة الثالثة شرطة اتحادية، وجعله قائداً لعمليات نينوى، وهو الذي سحب ذيل دشداشته مع أول رصاصة سمعها وهو في منصبه الجديد، وفر الى كردستان، التي كان ينظر اليها على الدوام بانف مرفوع، أنزله على الأرض قرب سيطرة أربيل.

أكثر من نصف أهالي مدينة الموصل نزحوا الى خارجها، ولولا كرم الأهل في كردستان، لحدثت كوارث أكبر مما حدث في سنجار. والحديث هنا عن نحو نصف مليون مواطن، فقدوا أموالهم ووظائفهم وأعمالهم، والذي بقوا عالقين، قتل منهم المئات، واعتقل الالاف، واختفوا في سجن الأحداث أو مقر الاستخبارات والكندي او غيرها من الأماكن، ليحالوا الى محاكم شرعية ، عوضاً عن محاكم استئناف نينوى التي الغيت، كما الغت داعش كلية الحقوق، والفنون الجميلة، وفرضت النقاب، ودمرت معالم المدينة بالكامل. الباقون يعيشون دوامة رعب، ويموتون في اليوم الواحد مرات عدة، وهم لا يعرفون مصيرهم، ومن أي عدو سيأتيهم الخطر.

أهل الموصل لا يُسألون عما جرى، ويفترض أن يسأل من كان قائداً عاماً للقوات المنسحبة، وجوقة ضباطه الكاريكاتيريين، وتمرغ انوفهم بأحكام قضائية عسكرية تعيد للجيش والدولة العراقية هيبتهما المفقودة، فهم لم يتركوا الواجب في وقت الحرب وأسلحتهم جميعهاً في ارض المعركة فحسب، بل تركوا مدنيين أبرياء تحت رحمة مجرمين قادمين من عصور ظلامية، لا يفقهون قولاً، ولا يسمعون حديثاً، غايتهم الرئيسة القتل والسلب والنهب والركوب بأسم الدين الذي في رؤوسهم.